يدور البحث حول ظاهرة المفارقة بوصفها ظاهرة إبداعية ومصطلحا نقديا, وانعکاساتها في شعر الشاعر السکندري المعاصر فؤاد طمان وهو واحد من شعراء التفعيلة المبرزين وصاحب رؤية شعرية أصيلة بين معاصريه. وقد بدأ البحث بالإشارة إلى ظاهرة المفارقة وشيوعها في الشعر العربي المعاصر باعتبارها إحدى آليات إنتاج الشعرية المعاصرة مرتبطة في ذلک بتيار الشعر الجديد وما اکتنفه من آليات الحداثة الشعرية الأخرى کالرمز والأسطورة والبناء الدرامي والتناص, کما عرج البحث على محاولة تعرف مفهوم المفارقة في المصطلح النقدي وتطورها من مفهومها الشائع باعتبارها کلام يقصد به خلاف معناه أو نقيضه, إلى مفاهيم أرحب لتتخذ شکلين أساسيين هما المفارقة اللغوية والمفارقة القائمة على الموقف.
ثم تعرض البحث لأصالة ظاهرة المفارقة في شعر فؤاد طمان على امتداد رحلته الشعرية عبر دواوينه المختلفة, وبخاصة النوع الثاني منها لتصبح جزءا من رؤيته الشعرية وأداة من أدوات البناء النصي في شعره, وقد وقفت من خلال البحث عن تجليات تلک الظاهرة في شعر فؤاد طمان على ثلاث ظواهر فنية تمثل کل منها ثنائية ضدية جدلية بين طرفين متقابلين, کما تمثل کل منها مرحلة من مراحل رحلته الشعرية الممتدة والمتطورة.
أولى تلک الظواهر تتمثل في جدلية (الواقع/ المثال) والتي ترتبط فکريا وفنيا لدى الشاعر بالمدينة التي ترمز إلى الوطن أو الواقع المعيش, کما تشير بالمقابل إلى المدينة الحلم أو اليوتوبيا, ومن خلالها يکرس الشاعر من خلال وعي الأنا الجمعي قدراته الإبداعية لمواجهة قضايا الواقع والدعوة إلى إصلاحها.
وتتمثل الظاهرة الثانية في جدلية (الماضي/ الحاضر) وهي جدلية قائمة على تأثير الزمن على المکان, ومن ثم فهي ترتبط بالجدلية السابقة عليها من خلال بيان مدى التأثير السيئ لمرور الزمن وتأثيره السلبي على صورة المدينة الواقع باتجاه التراجع الحضاري , ولتقيم ثنائية ضدية بين ازدهار الماضي وروعته وبؤس الحاضر وتفسخه سواء أکان الماضي القريب الخاص بالشاعر ذاته أم الماضي البعيد في إشارة رمزية إلى ماضي الأمة الازاهر إزاء حاضرها الأليم.
أما ثالثة تلک الظواهر فتتمثل في جدلية (عالم الشاعر/ البحر في مواجهة عالم المدينة/ البشر) وهي جدلية تشير إلى استحکام تلک الرؤية العبثية أو الشعور بالاغتراب والخواء لدى الشاعر خلال تلک المرحلة الإبداعية فيثور على کل عالم المدينة ويمتزج بعالم البحر باعتباره العالم البديل المقابل لکل عوالم البشر کما يتماهى مع عالم الأساطير مرتديا قناع أورفيوس ملتحما بأبوللو.
ثم تعرضت من خلال البحث لتتبع ملامح تلک الظاهرة وتأثيرها على بنية النص من خلال عنصر من أهم عناصر البناء النصي وهو الصورة الشعرية, تلک التي تحولت من خلال اقترانها بتلک الظاهرة إلى بنى متوازية أو عناقيد من الصور المتقابلة, لتسهم بقوة في تشکيل بنية النسيج النصي في نصوص تلک المرحلة. ثم ختمت بخلاصة البحث, ثم بقائمة بأهم المصادر والمراجع ودواوين الشعر